قال راجي عفو ربّـه :
لمَّا رأيت هذا الأمر قد انتشر ، وهذه الظاهرة قد سَـرَتْ في أوساط النساء ، وكثـُـر السؤال عنها ، أحببت بيان الـحُـكم الشرعي لتلك الظاهرة ، وما لها وما عليها .
تلكم الظاهرة التي أعنيها هي ظاهرة النمـص وترقيق الحـواجب بقصد التـّـجمّـل .
وقد ورد فيها وعلى مَن فعلتها الوعيد الشديد
مما يدلّ على أنها كبيرة من كبائر الذنوب .
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بنِ مسعود رضي الله عنه أنه قال :
" لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله "
قال :
فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب
وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت :
ما حديث بلغني عنك ؛ أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ؟ فقـال :
عبد الله وما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في كتاب الله ، فقالت المرأة :
لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته ، فقال :
لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه قال الله عز وجل :
( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا )
فقالت المرأة : فإني أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن ! قال : اذهبي فانظري . قال :
فَدَخَلَتْ على امرأة عبد الله فلم تر شيئا ، فجاءت إليه فقالت :
ما رأيت شيئا ، فقال :
أما لو كان ذلك ما جامعتنا . أي ما ساكَنَتْنا .
وتفسير تلك الأصناف الملعونة :
الواشمات : هي التي تفعل الوشم ، وهو ما يُرسم تحت الجلد سواء في الوجه أو في غيره
والمستوشمات : اللواتي يطلبن مَنْ يفعل بـهن الوشم .
والنامصات : اللواتي ينمصن النساء
والنّمص هو نتف شعر الوجه
وشعر الحاجبين على وجه الخصوص
والمتنمصات : مَنْ يطلبن من غيرهن أن يفعلن بـهنَّ ذلك .
وقال ابن منظور في لسان العرب :
والنَّمْصُ : نَتْفُ الشعر . و نَمَصَ شعرَه و يَنْمِصُه نَمْصاً : نَتَفَه ... وفـي الـحديث : لُعِنَت النامصـةُ و الـمُتَنَمّصـة . قال الفراء : النامِصـةُ التـي تنتف الشعر من الوجـه ، ومنه قـيل للـمِنْقاش مِنْماص لأَنه ينتفه به ، والـمُتَنَمِّصةُ : هي التـي تفعل ذلك بنفسها ... وامرأَة نَمْصاء تَنْتَمِصُ أَي تأمرُ نامِصةً فتَنْمِص شعرَ وجهها نَمْصاً أَي تأْخذه عنه بخيط . انتهى .
وقال ابن الأثير : النَّامِصة التي تَنتِف الشَّعرَ من وجهِهـا .
فهو أعـم من أن يكون في الحواجب فحسب .
فأنتِ – رعاكِ الله – ترين أنه حتى في اللغة يقول أئمة اللغة أن النمص نتف أو أخذ شيء من شعر الوجه
ولم يخصوه بالحاجبين .
وسواء كان بالنتف واللقط أو بالحفّ أو بالحلق أو بأي وسيلة حديثة فهو نمص .
والحكم يدور مع علـّتِه وجوداً وعدماً - كما هو مُقرر في علم أصول الفقه –
أي متى ما وجدت علّـة التحريم وُجِد الحُكم .
والعلة هنا منصوص عليها وهي : تـغـيـير خلق الله .
والتغيير يحصل بأي وسيلة كانت
ولذا أفتى العلماء بأن التـّـشقـيـر داخل تحت معنى وحُـكم النّمص .
وقد أفتى فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين بأن التـّـشقـيـر يلحق بالنمص .
فقد سُـئل فضيلته – رحمه الله – :
ما حُـكم حـفّ الحواجب ؟ أو صبغها بألوان أخرى ؟
فأجاب – رحمه الله – بقوله :
بالنسبة للحواجب الأصل إعفاؤها وعدم نتفها ؛ لأنها زينة ، وشعرها هكذا جاء ونبَتْ في حال الصغر ، ونتفها مُحرّم " لعن الله النامصات والمتنمصات " سواء أكان النمص بالنتف أو الحلق أو بِقصِّ شيء منها ، كل ذلك داخل في هذا الوعيد ، والواجب على المرأة أن تعتبر هذا شيئاً خلقه الله ولا تُـغيّر من خلق الله شيئاً ؛ لأنها إذا نتفتْ أو قصّت أو حلقت فإن الشعر يعود بعد حين ويرجع إلى ما كان عليه مما يستدعي قصّـه مرة ثانية وثالثة .. وهكذا .
فالواجب أن تتوب إلى الله وتبتعد عما يستوجب اللعن والوعيد الشديد .
وهكذا التـّـشقـيـر الذي هو صبغ شعر الحاجبين بشيء مُلوّن
وهذا أيضا مُحرّم داخل في قول الله تعالى :
( وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ )
والحديث الذي فيه لعن الـمُـغـيِّرات خلـق الله
فــلا يجــوز لها ذلك .
انتهى كلامه – رحمه الله – .
واستثنى العلماء من النمص ما إذا ظهر للمرأة شعر في موضع الشارب أو موضع اللحية فإن لها أن تزيله .
قال الإمام النووي - رحمه الله - :
وأمَّا النامصة : فهى التى تزيل الشعر من الوجه
والمتنمصة : التي تطلب فعل ذلك بها
وهذا الفعل حــرام إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالتها ... النهى إنما هو في الحواجب وما في أطراف الوجه .
والمتفلجات للحسن : مَنْ يُباعدن بين أسنانـهن سواء كان ذلك بعملية أو بغيرها إذا تحقق فيها تغيير خلق الله
وذلك من وحي الشيطان ، لقوله تعالى حكاية عن إبليس : ( وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا )
ويدخل في هذا الحديث الوشر
وهو تحديد الأسنان وبردِها
لتكون في مستوى واحد .
ولا يدخل في هذا عمليات تقويم الأسنان
إذ غاية ما فيها إعادة الأسنان إلى وضعها الطبيعي .
وقد تتساءل بعض النساء عن نمـص الحاجب إذا كان عريضاً ، أو عن بـرد الأسنان إذا كانت كباراً ، أو إذا كانت تتـزيّن بذلك لزوجها
فقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألته ، فقالت : يا رسول الله إن ابنتي أصابتها الحصبة فتمعّط ، وفي رواية ( فتمزّق ) شعرها ، وإني زوجتها أفأصل فيه ؟ فقال :
" لعن الله الواصلة والموصولة " . رواه البخاري ومسلم .
فإذا كان هذا فيمن تساقط شعرها ، وتُريد أن تُزيِّنَها لزوجها فلم يُرخّص لها
فكيف بمن تتخذه للزينة ، فتلبس ما يُسمّى « الباروكة » بقصد التجمّـل ؟
ومثله نتف الحواجب أو شعر الوجه أو تفليج الأسنان أو وصل الشعر بشعر آخر فكلّ ذلك داخل تحت اللعن
فليس هناك عذر لفعل شيء من تلك المحرمات .
ولمَّا حجّ معاوية بن أبي سفيان قال وهو على المنبر – وتناول قَصّةً من شعر كانت بيد حرسي – : أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ، ويقول :
إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم . رواه البخاري .
وقد ثبت طبيّاً ضرر النمص
قال الدكتور وهبة أحمد حسن : إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ، ثم استخدام أقلام الحواجب وغيرها من مكياجات الجلد لها تأثيرها الضار
فهي مصنوعة من مركبات معادن ثقيلة مثل الرصاص والزئبق
تُذاب في مركبات دهنية مثل زيت الكاكاو ،
أكسيدات مختلفة تضر بالجلد
وإن امتصاص المسام الجلدية لهذه المواد يُحدث التهابا وحساسية ، وأمَّا لو استمر استخدام هذه المكياجات فإن له تأثيراً ضاراً على الأنسجة المكوِّنة للدم والكبد والكلى
فهذه المواد الداخلة في تركيب المكياجات لها خاصية الترسب المتكامل ، فلا يتخلص منها الجسم بسرعة إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة يُنشّط الحلمات الجلدية
فتتكاثر خلايا الجلد ، وفي حالة توقف الإزالة ينمو شعر الحواجب بكثافة ملحوظة
وإن كنّا نلاحظ أن الحواجب الطبيعية تُلائم الشعر والجبعة واستدارة الوجه .
( انتهى كلام الدكتور نقلا من مطوية تذكير الأخوات بحكم النمص للشيخ محمد الهبدان )
كما ثبت طبيّاً أن شعيرات الحاجبين متصلة بخلايا في الدماغ , وأنه كلما نـُـزعت شعرة من هذه الشعيرات ماتت الخلية المتصلة بهذه الشعيرة
وهذا الأمر خطر على الإنسان لأن الدماغ مليء بالخلايا , وكلما نزعت شعرة ماتت خلية .
وهنا يَـرِد سؤال وهو :
هل تجوز طاعة الزوج إذا أمر زوجته بالنمص أو الوصل أو نحوه ؟
الصحيح أنه لا تجوز طاعة الزوج فيما حرّم الله عز وجلّ
قال صلى الله عليه وسلم :
( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة )
وقال صلى الله عليه وسلم :
( لا طاعة في معصية الله ، إنما الطاعة في المعروف ) رواه البخاري ومسلم .
ولو تأملت الفتاة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلمت أن الخير في اتباع شرع الله .
قال صلى الله عليه وسلم : ( اتـّـقِ المحارم تكن أعبد الناس ، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ..) الحديث . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث حسن .
ولتعلم الفتاة أن التحريم أو التحليل ليس مجرد أمر أو نهي .
فإن الشريعة لم تأمر بشيءٍ إلا ومصلحته متحققة أو راجحة .
ولم تَـنْـهَ عن شيء إلا ومفسدته متحققة أو راجحـة .
والله أعلم .
وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
كتبـه راجي عفو ربِّه /
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم