تخبرنا خولة بنت حكيم (رضي الله عنها) بأن النبي صلى الله عليه وسلم سن للمسلمين هذه الاستعاذة عوضا عن الاستعاذة بالجن وغيرهم من المخلوقات، وأخبر أن من استعاذ واعتصم بكلمات الله الكاملة المنزهة عن كل نقص وعيب، فإن الله سيكفيه شر كل مخلوق فيه شر حتى ينتقل من مكانه الذي استعاذ فيه.
قوله: "لم يضره شيء"، نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم من شر كل ذي شر من الجن والإنس وغيرهم والظاهر الخفي حتى يرتحل من منزله، لأن هذا خبر لا يمكن أن يتخلف مخبره، لأنه كلام الصادق المصدوق، لكن إن تخلف، فهو لوجود مانع لا لقصور السبب أو تخلف الخبر. ونظير ذلك كل ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأسباب الشرعية إذا فعلت ولم يحصل المسبب، فليس ذلك لخلل في السبب، ولكن لوجود مانع، مثل: قراءة الفاتحة على المرضى شفاء، ويقرأها بعض الناس ولا يشفى المريض، وليس ذلك قصوراً في السبب، بل لوجود مانع بين السبب وأثره والشاهد من الحديث: قوله: "أعوذ بكلمات الله". والمؤلف يقول في الترجمة: الاستعاذة بغير الله، وهنا استعاذة بالكلمات، ولم يستعذ بالله، فلماذا؟ أجيب: أن كلمات الله صفة من صفاته، ولهذا استدل العلماء بهذا الحديث على أن كلام الله من صفاته غير مخلوق، لأن الاستعاذة بالمخلوق لا تجوز في مثل هذا الأمر، ولو كانت الكلمات مخلوقة ما أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الاستعاذة بها. ولهذا كان المراد من كلام المؤلف: الاستعاذة بغير الله، أي: أو صفة من صفاته. وفي الحديث: "أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر"، وهنا استعاذ بعزة الله وقدرته، ولم يستعذ بالله، والعزة والقدرة من صفات الله، وهي ليست مخلوقة. ولهذا يجوز القسم بالله وبصفاته، لأنها غير مخلوقة.
أما القسم بالآيات، فإن أراد الآيات الشرعية، فجائز، وإن أراد الآيات الكونية، فغير جائز.
أما الاستعاذة بالمخلوق، ففيها تفصيل، فإن كان المخلوق لا يقدر عليه، فهي من الشرك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لا يجوز الاستعاذة بالمخلوق عند أحد من الأئمة"، وهذا ليس على إطلاقه، بل مرادهم مما لا يقدر عليه إلا الله، لأنه لا يعصمك من الشر الذي لا يقدر عليه إلا الله، سوى الله. ومن ذلك أيضاً الاستعاذة بأصحاب القبور، فإنهم لا ينفعون ولا يضرون، فالاستعاذة بهم شرك أكبر، سواء كان عند قبورهم أم بعيداً عنهم.
أما الاستعاذة بمخلوق فيما يقدر عليه، فهي جائزة، وقد أشار إلى ذلك الشارح الشيخ سليمان في "تيسير العزيز الحميد"، وهو مقتضى الأحاديث الواردة في "صحيح مسلم" لما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الفتن، قال: "فمن وجد من ذلك ملجأ، فليعذ به.
الفوائد:
1- بيان بركة هذا الدعاء.
2- أن القرآن منزل غير مخلوق.
3- أن الاستعاذة لا تكون إلا بالله أو بصفة من صفاته.
4- بيان كيفية الاستعاذة المشروعة.
5- بيان شمول القرآن وكماله.
6- هذا ما شرعه الله لأهل الإسلام، أن يستعيذوا به بدلاً عما يفعله أهل الجاهلية من الاستعاذة بالجن، فشرع الله للمسلمين أن يستعيذوا به أو بصفاته.
7- فضل هذا الدعاء، وأنه ينبغي العمل به.
8- يستحب قول هذا الدعاء عند نزول منزل، ويدل على فضل هذه الاستعاذة وأنها من أسباب العافية من شر الجن والإنس.
9- فيه التوسل بصفات الله.
10-أن القرآن منزل غير مخلوق، والرد على الجهمية والمعتزلة في قولهم بخلق القرآن، لأنه لو كانت كلمات الله مخلوقة لم يأمر بها النبي ( بالاستعاذة بها، لأن الاستعاذة بالمخلوق شرك.
مناسبة الحديث للباب: