عرض مشاركة واحدة
قديم 26-09-2016   #5


الصورة الرمزية الكناني
الكناني متصل الآن

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4376
 تاريخ التسجيل :  02 - 09 - 2016
 أخر زيارة : 21-07-2020 (08:27)
 المشاركات : 113 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: ابحار ع ضفاف الزمن






إذا كنت سائحاً فزر حمراء غرناطة في النهار، وإن كنت شاعراً فزرهما في الليل،
وإن لم تكن شاعراً
فلا تبتئس لانك ستنزل التل وأنت تكتب الشعر.وفي الليل تسطع الأضواء في كل زوايا الحمراء
ولا تسمع إلا الأقدام تنتقل على بلاط القصر كخفيف المطر، ولا تسمع إلا حفيف الاشجار وخرير الماء
الساقط على القنوات من مكان مجهول فتتصور أن فرسان الحمراء خرجوا اليك
يعاتبونك على هجر لا يستحقونه لكنك لا تملك إجابة


.ويكاد يخيل لك وأنت تجلس فى الظلمة في جنة العريف
أن ابن الاحمر خارج إليك في أية لحظة يشتكي
سبعمائة سنة من الانتظار،أو ان البوابة ستنفتح في غمضة عين
وعليك يطل وجه الصبية التي انتظرت منذ اليوم الثاني من سنة اثنتين وتسعين واربعمائة وألف
ولما تخرج الصبية
ولما تتمكن من الابتعاد عن مدخل القصر
فأنت هناك حي متوفى لا تستطيع الحركة لأنك أسير الصبية
وأسير حلم مجيء عبدالرحمن.


وتحملك قدمان مثقلتان بأحزان ألف عام الى بوابة المدور
وزقاق المنصور، وتتجه يميناً نحو تمثال اليهودي المستعرب ابن ميمون
وهو شاخص الى السماء، وتعبر الى حان الرباعيات في الزقاق الضيق
وتذكر كيف كانت قرطبة عاصمة لمليون ساكن مثل عاصمة الخلافة العباسية،
ثم الى نصب ابن رشد وعبد الرحمن الغافقي وحكيم الرومان وقصر الملوك والزمن
الماضي وتتوقف ويتوقف الزمن معك.
ينفطر القلب.
كل ما ضاع يمكن أن يضيع مرة أخرى إلى أن يأتي عبد الرحمن.


وأمام بوابة المدور تعاين نصب الكفين: ابن زيدون الشاعر
وولادة وغص في تاريخ نسيناه فما غاب عن بال أهل قرطبة وتقرأ:
أغار عليك من عيني ومني ومنك ومن زمانك والمكان
ولو اني خبأتك في عيوني الى يوم القيامة ما كفانـي
ويرد ابن زيدون واليد ممتدة دون أن تلامس اليد:
أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينـا
يكاد حين تناجيكم ضمائرنــا يقضي علينا الأسى لولا تأسّينا
وسقطت غرناطة وانتهت سيرة قرطبة وعبدالرحمن والمنصور
لكن ليس قبل ان يدفن المنصور في مدينة سالم، وليس قبل أن يقول
أهل الشمال اليوم توفي المنصور ودفن في الجحيم وبين هجرة عبد الرحمن
والهجرة الأخيرة ثمانية قرون تبدد بعدها ما بناه عبد الرحمن.نبحث عن عبد الرحمن.
أنت وأنا.
نبحث عن عبد الرحمن أنت وأنا وهو وهي وكل الضمائر
الأخرى في زمن بلا ضمائر. كلنا وكل الجالسين في شرفة البيت
نحدق في الغروب وننتظر عبد الرحمن.
وهو في قرطبة.
تجلس وهو واقف، تتحرك وهو جامد في مكانه فوق قرطبة.

تتنفس وهو مطبق على آخر نفس دخل صدره.
وتريد أن تبكي لكنك لا تستطيع.


فجأة تشعر بالحقد على عبد الرحمن لأنه جاء وراح ولم يعد مرة اخرى
وانت ما تزال تنتظر. سقطت قرطبة ألف ألف مرة ولما ينهض عبد الرحمن،
ولما تنظم مذبحة جديدة في طليطلة.
بدل الطوائف زاد عدد الدول عن عدد الرعية فيها ولم يأت عبد الرحمن.
لكن عبد الرحمن لم يجد الطريق بعد،
ولم يبن قرطبة أخرى. الأعور الأخشم اختار الفرار الى الأطراف فهل يتبع الجميع؟


وفي الليل في جنة العريف يصخب العزيف. يضج المكان بالماضي
وتتلاحق التنهدات وتحسب أنك عشت هناك قبل ألف عام
ومت قبل ألف عام. تحسب مع اقتراب الغصن أن يد الصبية تمتد إليك،
تمسح دموعاً لم تعتقها العين بعد، وتهمس أنها تحبك والماضي
والمستقبل وعبد الرحمن، ثم تسرّ لك في لحظة قوة أنه هناك خلف
التل ينتظر ويحفر خندقاًأعمق في قرطبة، وتشعر فجاة أنه فعلاً هناك
يحدق في الليل مثلك في الليل ويرسم مثلك الطريق الى قرطبة أخرى.


من نثر بعنوان لاتقتلوا الكنار




 

رد مع اقتباس